بيان حول التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة المغربية

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان حول التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة المغربية

الحمد لله القائل في محكم التنزيل {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} والقائل في محكم التنزيل {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} والصلاة والسلام على رسول الله القائل “تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ” والقائل “فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ”، وبعد:

فقد ذهلت الرابطة لما اطلعت عليه من تعديلات صرح بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية زاعما صدورها عن المجلس العلمي الأعلى في المغرب. والتي تضمنت مخالفات صريحة للمجمع عليه من شريعة رب العالمين، في مخالفة صريحة لما أعلنه الملك محمد السادس حفظه الله من حد واضح للاجتهاد المطلوب، الذي لا يمس ثوابت الدين وإجماعات الفقهاء والمعتمد من مهذب الإمام مالك رحمه الله، خصوصا في مسائل يعتبر المخالف لها مخالفا لإجماع المسلمين.

وإننا إذ نصدر هذا البيان بناء على ما تم تداوله في الإعلام، نوضح للناس ما يلي:

١- لا يجوز الخروج عن أحكام الشريعة الإسلامية حتى لا يصبح القانون مصادما للشريعة وموقعا للناس في الحرج الشديد، وهنا سيضطر الناس إلى اللجوء للإفتاء الشرعي بدل التقاضي إلى المحاكم.

٢- إن ما جاء في هذه التعديلات مخالف لإجماع المسلمين، ومن تلك المسائل:

أ- عقد الزواج لا يتم إلا بشهادة شاهدين مسلمين، وإسقاط هذا الشرط يعد أن أسقطوا الولي في النكاح بجعل هذا الزواج مخالفا لأركان الزواج في الإسلام، فلا ينعقد النكاح وإن صدر عن المحاكم ودون الولي في الوثائق، فالإنعقاد الشرعي لا يقع إلا بما أمرته الشريعة الإسلامية.

ب- ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وتحويل الأم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حق من حقوقه الثابتة، لا نعرف في ذلك خلافا بين المسلمين.

ج- ديون الزوجة منفصلة الذمة عن ديون الزوج، ولا يجوز تحميل أحد الزوجين ديون الآخر إلا إن قبل بذلك، وإلزام أحد الزوجين بدين الآخر واستخلاصه من إرث مخالف لإجماع المسلمين، وفيه إجحاف كبير بالورثة، وأولهم أم الزوجة التي هي امرأة أيضاً.

د- اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج من أجل تقاسم أمواله في حال الطلاق، قول علماني غربي لم يقل به أحد من الفقهاء، وهو مخالف لأصل الزواج في الإسلام.

هـ – إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة مخالفة صريحة لكتاب الله، وانقطاع من أموال الورثة بغير حق، وظلم للأم الزوج وسائر ورثته الذين سيحرمون من حقهم في هذا البيت مع أن أمه قد تكون أشد حاجة لهذا البيت من زوجته، وهو اعتداء على أحكام الإرث التي تعد من المحكمات في دين الله.

٣- كلنا يعلم أن ما جاء في هذه التعديلات لم ينبع من نقاش فقهي أو اجتماعي، وإنما هي ضغوط دولية فرضت على المغرب وعلى غيره من البلدان الإسلامية، وأن نتائج هذه التعديلات لن تخدم الأسرة ولا المجتمع ولا المرأة نفسها، بل سيزيد عزوف الشباب عن الزواج، ويتصاعد الشقاق والنزاع داخل الأسرة، فتكون المرأة أول المتضررين، وهذا ما ظهر من جراء التعديلات الأولى التي خالفت الشريعة في مسائل أقل من هذه، فكان ما نراه اليوم من الصدع الكبير.

٤- إذا كان اليهود المقاربة يتمتعون بمدونة خاصة بهم، فإنه لمن المؤسف حقا أن يحرم المسلم من شريعة ربه في بلده، ولا ندري لماذا لم يقترح العلماء إيجاد مدونة خاصة بالمذهب المالكي، يتحاكم إليها من يريد تطبيق شرع الله في نفسه وأهله وأبنائه، بدل إلزامهم بهذه الأحكام العلمانية التي لن يفلح بها مسلم.

٥- إن التحاكم إلى هذا القانون في حال تطبيقه- يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت الذي حرمه الله عز وجل في كتابه، وإن أحكامه لن يكون لها النفاذ الشرعي، فالقانون متى خالف الشريعة بطلت أحكامه، ولا يجوز للناس التقاضي به ولا قبوله ولا العمل بما جاء فيه، فالقاضي لا يحل حلالا ولا يحرم حراما.

٦- على العلماء اليوم مسؤولية تاريخية تجاه دينهم وتشريع ربهم، ولا يسعهم اليوم إلا أن يقولوا كلمة الحق، لأن هذه أعراض المسلمين وأموالهم، فمن سكت عن الحق الذي علمه، فقد أسقط عهده مع الله عز وجل إذ يقول في كتابه (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.

٧- على القضاة والمحامين رفض هذه التعديلات والوقوف في وجهها بكل الوسائل المتاحة، حتى لا يتحملوا وزر تنفيذ هذه القوانين الجائرة على الناس، فيكونوا شركاء في الوزر، وقد رأينا تآزر المحامين في قضاياهم الخاصة، فتآزرهم في مثل هذه القضايا أهم وأشد، فلا يقبل من القاضي أو المحامي أن يحكم بغير شرع الله بدعوى أنه مجرد موظف، بل يتحمل الوزر أمام الله عن كل ما ينتج عن هذه الأحكام من طلاق وتشتيت للأسر وتدمير للمجتمع.

٨- على المجتمع المدني بكل شرائحه أن يقف وقفة صادقة لله ثم للتاريخ، فإن تمض هذه الأخطاء بدفعها المجتمع جيلا بعد جيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن أخطر ما يقع اليوم في بلاد المغرب هو استبعاد المذهب المالكي في أهم مناحي حياة المجتمع، وإن إزالة الثوابت الاجتماعية مؤذن بزوال ما بعدها من ثوابت أخلاقية ودينية وسياسية، وعليه فإننا نطالب المجتمع المسلم بالرجوع إلى شريعة ربه الغراء، فهي النجاة من هذه الفتن المدلهمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي
الأربعاء 23 جمادى الآخرة 1446 هـ

الموافق 25 ديسمبر 2024 م

اترك تعليقاً